بعد انسحاب الشركات الكبرى.. فشل الالتزام بـ"صفر انبعاثات" يقوّض العدالة البيئية

بعد انسحاب الشركات الكبرى.. فشل الالتزام بـ"صفر انبعاثات" يقوّض العدالة البيئية
مخاوف من تفاقم الأزمات البيئية - أرشيف

في تطور لافت، انسحبت شركة شل وعدد من كبرى شركات الطاقة من مجموعة الخبراء الاستشارية التابعة لمبادرة الأهداف القائمة على العلم (SBTi)، وهي الهيئة الدولية المسؤولة عن اعتماد استراتيجيات المناخ للشركات.

ووفقًا لما نشرته "فايننشال تايمز"، فإن الانسحاب الجماعي جاء بعد تداول مسودة إرشادات جديدة كانت تنصّ على وقف تطوير الحقول النفطية والغازية الجديدة بحلول عام 2027 أو مع تقديم الخطط المناخية، أيهما أسبق، القرار الذي أوقف لاحقًا العمل على هذه المعايير أعاد فتح الجدل حول حدود الالتزام المناخي ومدى خضوعه لضغوط المصالح الصناعية.

واعتبرت شل أن المسودة "لا تعكس وجهة نظر القطاع"، مطالبة بصياغة أكثر "واقعية" تمنح الشركات مرونة في الوصول إلى هدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول 2050.

وأعلنت أكر بي بي بدورها أن تأثيرها داخل اللجنة محدود، بينما امتنعت إنبريدج عن التصريح، ترافق انسحاب هذه الشركات  مع قرار آخر من المبادرة يقضي بتأجيل الموعد النهائي لتوقف المؤسسات المالية عن تمويل مشروعات الوقود الأحفوري الجديدة إلى عام 2030، وهو ما وصفه مراقبون -بحسب فايننشال تايمز- بأنه تراجع هيكلي عن أولويات كانت موضوعة منذ سنوات.

وفي السياق نفسه، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا حذرت فيه من أن توسع الشركات الكبرى في مشاريع النفط والغاز لا يؤدي فقط إلى تفاقم التغير المناخي، بل يرتبط ارتباطًا مباشرًا بانتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما في المجتمعات الهشة. 

وأشار التقرير إلى أن السكان الأصليين والمجتمعات الفقيرة يتعرضون للتهجير وتلوث المياه وتدمير أراضيهم الزراعية نتيجة تلك المشاريع، بينما تظل الحماية القانونية غائبة.

ويعنى ذلك أن انسحاب الشركات من عمليات صياغة المعايير، في وقت تتسارع فيه مؤشرات الانهيار المناخي، يمثل تهربًا فاضحًا من المسؤولية الأخلاقية والحقوقية.

تحذير من الكلفة البشرية للتأخير

في تقرير صدر عن المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فولكر تورك أُكد أن أي تباطؤ في وقف التوسع في الوقود الأحفوري يشكّل إخلالًا جوهريًا بالتزامات الدول والشركات في حماية الحقوق الأساسية.

وبيّن التقرير أن الفئات الأكثر تضررًا من هذا التباطؤ هم النساء والأطفال والمزارعون في بلدان الجنوب العالمي، ممن يواجهون الجفاف والفيضانات والتصحر، دون حماية أو تعويض.

وحذّر المفوض السامي من أن التحجج بـ"المرونة الواقعية" لا يعدو كونه خطابًا مموّهًا يبرر الحفاظ على الوضع القائم، ويُبعد العدالة المناخية عن جدول الأولويات.

التزامات على الورق

تشير "فايننشال تايمز" إلى أن شركة شل، رغم استمرارها في الترويج لهدف الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول 2050، خفّفت من أهدافها المناخية للعام 2030، وألغت هدفًا سابقًا لعام 2035، ما يتناقض مع ما تعلنه من التزامات. وبينما يصر مسؤولوها على "الواقعية"، تنسحب من مبادرات صُممت أصلاً لمساعدتها على الانتقال العادل.

وبحسب مراسلات داخلية اطّلعت عليها الصحيفة، تم إخطار أعضاء اللجنة الاستشارية من داخل مبادرة SBTi بتخفيض أولوية تطوير معيار النفط والغاز، رغم أنه كان في السابق مصنفًا كأولوية قصوى.

وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية، فإن تعليق المعايير وتأجيل القرارات سيعمّق فجوة الظلم المناخي، فبينما تحصل الشركات الكبرى على الوقت والتسهيلات، تواجه المجتمعات الهشة النتائج الكارثية دون أي ضمانات.

ومع تأجيل وقف التمويلات إلى عام 2030، تزداد احتمالات التوسع في مشاريع ملوثة تزيد من هشاشة تلك المجتمعات وتقلل من فرصها في التكيّف أو النجاة.

الحق في بيئة نظيفة وآمنة

ويرى المفوض السامي أن الحق في بيئة نظيفة وآمنة لا يقل عن أي حق إنساني آخر، وأن استمرار الاستثمار في الوقود الأحفوري هو انتهاك فعلي لذلك الحق، مهما تم تغليفه بلغة الأرباح أو الواقعية.

لن يتحقق التحول المناخي عبر أهداف بعيدة لا تجد طريقها للتنفيذ، بل عبر التزامات آنية قابلة للقياس، وإذا كانت المؤسسات الدولية تتراجع أمام ضغوط كبرى الشركات، فمن يحمي أصوات المجتمعات التي لا ممثل لها في هذه المفاوضات؟ وإذا كانت الشركات تحتج بأنها لا تستطيع التأثير في المسودة، فمن الذي صاغ أصلًا قواعد اللعبة؟

وفي ظل هذه التطورات، يبدو أن صافي الانبعاثات الصفري ما زال حلمًا مؤجلًا، بينما تتكفل الكوارث المناخية بإعادة تذكير العالم، كل يوم، بأن الوقت ينفد.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية